فصل: ( فَصْلٌ: فِي ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ غَيْبَتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ )

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا ‏]‏

المتن‏:‏

ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ سَمِعَ بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي وَيَعْتَمِدُ فِي الْعَقَارِ حُدُودَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا‏.‏ إذَا ‏(‏ادَّعَى‏)‏ عِنْدَ قَاضٍ ‏(‏عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا ‏(‏يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا‏)‏ بِغَيْرِهَا ‏(‏كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ‏)‏ بِالشُّهْرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ بِمَعْرُوفِينَ بِتَغْلِيبِ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَلَكِنَّهُ غَلَّبَ غَيْرَ الْعَاقِلِ الْأَكْثَرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْأَقَلِّ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ قَوْلُهُ ‏(‏سَمِعَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ‏(‏لِلْمُدَّعِي‏)‏ بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا فَرْقَ فِي مَسَائِلِ الْفَصْلِ بَيْنَ حُضُورِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَيْبَتِهِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ نَظَرًا لَغَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي أَوْ خَارِجًا عَنْهَا كَمَا أَنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَعَلَى هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِحَقَائِقِ الْقَضَاءِ‏:‏ قَاضِي قَرْيَةٍ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى بِقَاعِ الدُّنْيَا فِي دَائِرَةِ الْآفَاقِ وَيَقْضِي عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا ‏(‏وَيَعْتَمِدُ‏)‏ الْمُدَّعِي ‏(‏فِي‏)‏ دَعْوَى ‏(‏الْعَقَارِ‏)‏ الَّذِي لَمْ يُشْتَهَرْ ‏(‏حُدُودَهُ‏)‏ الْأَرْبَعَةَ لِيَتَمَيَّزَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ ذِكْرِ حُدُودِهِ كُلِّهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مِنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ، وَيَجِبُ ذِكْرُ الْبُقْعَةِ وَالسِّكَّةِ، وَهَلْ هُوَ فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ وَسَطِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْعَقَارُ، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِدُونِهَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا تَوَقَّفَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْحُدُودِ، فَلَوْ حَصَلَ التَّعْرِيفُ بِاسْمٍ وُضِعَ لَهَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا كَدَارِ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ كَفَى كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الدَّعَاوَى‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ لَا يُؤْمَنُ فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَيُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إلَى الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَإِنْ ادَّعَى أَشْجَارًا فِي بُسْتَانٍ ذَكَرَ حُدُودَهُ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ بِدُونِهَا، وَعَدَدَ الْأَشْجَارِ وَمَحَلَّهَا مِنْ الْبُسْتَانِ وَمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَالضَّابِطُ التَّمْيِيزُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ ‏(‏لَا يُؤْمَنُ‏)‏ اشْتِبَاهُهَا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا ‏(‏فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ‏)‏ عَلَى صِفَتِهَا مَعَ غَيْبَتِهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا كَالْعَقَارِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ تَتَشَابَهُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَظْهَرِ ‏(‏يُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي‏)‏ اسْتِقْصَاءِ ‏(‏الْوَصْفِ‏)‏ لِلْمُدَّعَى بِهِ الْمِثْلِيِّ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ ‏(‏وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ‏)‏ فِي الْمُتَقَوِّمِ وُجُوبًا فِيهِمَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ الْمِثْلِيَّ وَأَنْ يُبَالِغَ فِي وَصْفِ الْمُتَقَوِّمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا، وَمَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ وُجُوبِ وَصْفِ الْعَيْنِ بِصِفَةِ السَّلَمِ دُونَ قِيمَتِهَا مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً هُوَ فِي عَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِالْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ‏:‏ إنَّ كَلَامَهُمَا هُنَا يُخَالِفُ مَا فِي الدَّعَاوَى، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مَعَ اعْتِمَادِهِ مَا فِي الدَّعَاوَى كَلَامُ الْمَتْنِ فِي غَيْرِ النَّقْدِ‏.‏ أَمَّا هُوَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَظْهَرُ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ إذَا سَمِعَ بَيِّنَةَ الصِّفَةِ ‏(‏لَا يَحْكُمُ بِهَا‏)‏؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَعَ خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ وَالْجَهَالَةِ بَعِيدٌ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ‏:‏ أَيْ إذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، فَفِي الْحُكْمِ بِهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَحْكُمُ بِهَا لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي‏:‏ يَحْكُمُ وَلَا نَظَرَ إلَى خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ‏.‏ ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَقَالَ ‏(‏بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ‏)‏ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ ‏(‏بِهِ فَيَأْخُذُهُ‏)‏ أَيْ يَنْزِعُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا وَجَدَهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْكِتَابُ ‏(‏وَيَبْعَثُهُ إلَى‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا‏)‏ أَيْ الشُّهُودُ أَوَّلًا ‏(‏عَلَى عَيْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ لِيَحْصُلَ الْيَقِينُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ تَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الصِّفَةِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْتُبُ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ مُجَرَّدِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَوْ مَعَ الْحُكْمِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِي طَرِيقِهِ قَوْلَانِ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ ‏(‏يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي‏)‏ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّ الْمَالَ هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ ‏(‏بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى إذَا لَمْ تُعِينُهُ الْبَيِّنَةُ طُولِبَ بِرَدِّهِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَكْفُلُهُ بِبَدَنِهِ، بَلْ يَكْفُلُهُ بِقِيمَةِ الْمَالِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى الْعَيْنِ حِينَ تَسْلِيمِهَا بِخَتْمٍ لَازِمٍ لِئَلَّا تُبَدَّلَ بِمَا يَقَعُ بِهِ اللَّبْسُ عَلَى الشُّهُودِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا جَعَلَ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةً وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ وَاجِبٌ، وَالْخَتْمُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَتْمِ أَنْ لَا تُبَدَّلَ الْمَأْخُوذَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِأَمَةٍ تَحْرُمُ خَلْوَةُ الْمُدَّعِي بِهَا بَعَثَهَا مَعَ أَمِينٍ فِي الرُّفْقَةِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِعَيْنِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبَعْثِ حَيْثُ لَمْ يُبْدِ الْخَصْمُ دَافِعًا، فَإِنْ أَبْدَاهُ بِأَنْ أَظْهَرَ عَيْنًا أُخْرَى مُشَارِكَةً فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ذَهَبَ الشُّهُودُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَ ‏(‏شَهِدُوا‏)‏ عِنْدَهُ ‏(‏بِعَيْنِهِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ حَكَمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَ ‏(‏كَتَبَ‏)‏ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ ‏(‏بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ‏)‏ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إرْسَالِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ ‏(‏فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ‏)‏ لِلْمُدَّعَى بِهِ وَالْإِحْضَارُ لَهُ إلَى مَكَانِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَتُهُ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ إنْ كَانَتْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَ مَنْفَعَتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا ‏(‏غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ‏)‏ لِلْحُكْمِ ‏(‏لَا‏)‏ عَنْ ‏(‏الْبَلَدِ‏)‏ ‏(‏أُمِرَ‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ - أَيْ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَصْمَ أَوْ مَنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ ‏(‏بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ‏)‏ أَيْ يَسْهُلُ ‏(‏إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ‏)‏ أَيْ عَلَيْهَا لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ بُعْدُ الْمَسَافَةِ وَكَثْرَةُ الْمَشَقَّةِ‏.‏ أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ كَالْعَقَارِ فَيَحُدُّهُ الْمُدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ، فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ‏:‏ نَعْرِفُ الْعَقَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا نَعْرِفُ الْحُدُودَ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ يَحْضُرُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِالْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّعْوَى حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقَارُ مَشْهُورًا بِالْبَلَدِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْدِيدِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا مَا يَعْسُرُ إحْضَارُهُ كَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ أَوْ مَا أُثْبِتَ فِي الْأَرْضِ أَوْ رُكِّزَ فِي الْجِدَارِ وَأَوْرَثَ قَلْعُهُ ضَرَرًا فَكَالْعَقَارِ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِتَيَسُّرِ إحْضَارِهِ دُونَ الْإِمْكَانِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ وُجُوبَ الْإِحْضَارِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَشْهُودَةً لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إحْضَارِهَا، وَكَذَا إذَا عَرَفَهَا الْقَاضِي وَحَكَمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ قَوْلِهِ‏:‏ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ، أَنَّ الْغَائِبَةَ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا وَإِنْ قَرُبَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْغَائِبَةُ عَنْ الْبَلَدِ بِمَوْضِعٍ يَجِبُ الْإِعْدَاءُ إلَيْهِ كَاَلَّتِي فِي الْبَلَدِ لِاشْتِرَاكِ الْحَالَيْنِ فِي إيجَابِ الْحُضُورِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ ‏(‏وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ‏)‏ لِعَيْنٍ غَائِبَةٍ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنْ سُمِعَتْ الدَّعْوَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ السَّمَاعُ حَالَ غَيْبَتِهَا عَنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا كَمَا لَا تُسْمَعُ فِي غَيَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ، بَلْ إنْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا أُمِرَ بِإِحْضَارِهَا لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهَا إنْ أَقَرَّ بِاشْتِمَالِ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ بِالْوَصْفِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ السَّمَاعِ بِالصِّفَةِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ غَصَبَ عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا فَمَاتَ الْعَبْدُ اسْتَحَقَّ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ قِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهَذَا مَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ لِصَاحِبِ الْعُدَّةِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمَا الْأَوَّلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا وَجَبَ إحْضَارٌ فَقَالَ لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ فَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً كُلِّفَ الْإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَقُ إلَّا بِإِحْضَارِ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ، وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةً أَمْ لَا فَيَدَّعِيهَا فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَقِيلَ لَا بَلْ يَدَّعِيهَا وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَّعِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا‏)‏ ‏(‏وَجَبَ إحْضَارُ‏)‏ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ‏)‏ ‏(‏صُدِّقَ بِيَمِينِهِ‏)‏ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَيْنٍ تَحْتَ يَدِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ حَلِفِهِ يَجُوزُ ‏(‏لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا هَلَكَتْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَدَّعِي الْقِيمَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ادَّعَى الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ بِهِ ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏فَحَلَفَ الْمُدَّعِي، أَوْ‏)‏ لَمْ يَنْكُلْ، بَلْ ‏(‏أَقَامَ‏)‏ الْمُدَّعِي ‏(‏بَيِّنَةً‏)‏ حِينَ إنْكَارِهِ بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْصُوفَةَ كَانَتْ بِيَدِهِ ‏(‏كُلِّفَ الْإِحْضَارَ‏)‏ لِلْمُدَّعَى بِهِ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا سَبَقَ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ امْتَنَعَ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا ‏(‏حُبِسَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْإِحْضَارِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يُطْلَقُ‏)‏ مِنْ الْحَبْسِ ‏(‏إلَّا بِإِحْضَارِ‏)‏ الْمُدَّعَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ‏)‏ لَهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَاقَضَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَقْبَلْ قَوْلَهُ لَخَلَدَ عَلَيْهِ الْحَبْسُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا أَطْلَقَ دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ أَسْنَدَهَا إلَى جِهَةٍ خَفِيَّةٍ كَسَرِقَةٍ‏.‏ أَمَّا لَوْ أَسْنَدَهَا إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَكْلِيفُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِهِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ جَزَمَ بِالدَّعْوَى ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي‏)‏ عَلَى مَنْ غَصَبَ عَيْنًا مِنْهُ - أَيْ تَرَدَّدَ - بِأَنْ تَسَاوَى عِنْدَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا ‏(‏هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ‏)‏ الْمُدَّعَى بِهَا ‏(‏فَيَدَّعِي قِيمَةَ‏)‏ عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، أَوْ مِثْلًا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ‏(‏أَمْ لَا فَيَدَّعِيهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ نَفْسَهَا ‏(‏فَقَالَ‏)‏ فِي صِفَةِ دَعْوَاهُ ‏(‏غَصَبَ مِنِّي‏)‏ فُلَانٌ ‏(‏كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ‏)‏ إلَيَّ ‏(‏وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ‏)‏ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا يَلْزَمُهُ ‏(‏سُمِعَتْ دَعْوَاهُ‏)‏ مَعَ التَّرَدُّدِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا بَدَلُهَا، فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى التَّرَدُّدِ أَوْ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ‏؟‏ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ لَا‏)‏ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى التَّرَدُّدِ ‏(‏بَلْ يَدَّعِيهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ ‏(‏وَيُحَلِّفُهُ‏)‏ عَلَيْهَا ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ حَلِفِهِ ‏(‏يَدَّعِي الْقِيمَةَ‏)‏ أَوْ الْمِثْلَ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏وَيَجْرِيَانِ‏)‏ أَيْ هَذَانِ الْوَجْهَانِ ‏(‏فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ‏)‏ فَطَالَبَهُ بِهِ ‏(‏فَجَحَدَهُ‏)‏ الدَّلَّالُ ‏(‏وَشَكَّ‏)‏ الدَّافِعُ ‏(‏هَلْ بَاعَهُ‏)‏ الدَّلَّالُ ‏(‏فَيَطْلُبُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ‏)‏ يَطْلُبُهَا ‏(‏أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ‏)‏ مِنْهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَدَّعِي عَلَى الدَّلَّالِ رَدَّ الثَّوْبِ أَوْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ أَتْلَفَهُ، وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُ الثَّوْبِ وَلَا ثَمَنِهِ وَلَا قِيمَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يَدَّعِي الْعَيْنَ فِي دَعْوَى، وَالثَّمَنَ فِي أُخْرَى، وَالْقِيمَةَ فِي أُخْرَى، فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى التَّرَدُّدِ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا مَرَّ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَقَدْ يَكُونُ الدَّلَّالُ بَاعَهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، وَالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ جَامِعَةً لِذَلِكَ، وَالْقَاضِي إنَّمَا سَمِعَ الدَّعْوَى الْمُتَرَدِّدَةَ حَيْثُ اقْتَضَتْ الْإِلْزَامَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ أَتَى بِبَقِيَّةِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمْ يَسْمَعْهَا الْحَاكِمُ ، فَإِنَّ فِيهَا مَا لَا إلْزَامَ بِهِ، قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ‏(‏وَ‏)‏ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ عَنْ الْمَجْلِسِ ‏(‏حَيْثُ أَوْجَبْنَا‏)‏ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏الْإِحْضَارَ‏)‏ لِلْمُدَّعَى بِهِ فَأَحْضَرَهُ ‏(‏فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي‏)‏ ‏(‏اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ‏)‏ أَيْ الْإِحْضَارِ ‏(‏عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏)‏ لِتَعَدِّيهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي ‏(‏فَهِيَ‏)‏ أَيْ مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ ‏(‏وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ‏)‏ لِلْمَالِ إلَى مَحَلِّهِ ‏(‏عَلَى الْمُدَّعِي‏)‏ لِتَعَدِّيهِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ بِانْهِدَامِ دَارٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُدَّعِي بِلَا خِلَافٍ‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ غَيْبَتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ‏]‏

المتن‏:‏

الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا، وَقِيلَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ غَيْبَتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ‏(‏الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ‏)‏ بِمُوجَبِهَا ‏(‏مَنْ‏)‏ هُوَ كَائِنٌ ‏(‏بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ‏)‏ الَّذِي بَكَّرَ مِنْهُ ‏(‏لَيْلًا‏)‏ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُحَاكِمِ كَمَا بَيَّنَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا فِي إيجَابِ الْحُضُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ فِي اللَّيْلِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ مِنْهَا، يَعُودُ عَلَى الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْمَسَافَةُ الْبَعِيدَةُ لَيْسَتْ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا، بَلْ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا لَيْلًا مَنْ يَخْرُجُ بُكْرَةً مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى بَلَدِ الْحَاكِمِ‏.‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ مُبَكِّرٌ مِنْهَا لَاسْتَقَامَ، وَهُوَ مُرَادُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ لَيْلًا يُرِيدُ أَوَائِلَ اللَّيْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هِيَ ‏(‏مَسَافَةُ قَصْرٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ ‏(‏وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ‏)‏ وَهِيَ دُونَ الْبَعِيدَةِ بِوَجْهَيْهَا بِحُكْمِهِ ‏(‏كَحَاضِرٍ‏)‏ فِي الْبَلَدِ ‏(‏فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏يُحْكَمُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ‏)‏ وَعَجْزُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ عَنْ إحْضَارِهِ بِنَفْسِهِ وَبِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَبِغَيْرِ نَصْبِ وَكِيلٍ يُنْكِرُ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالْغَائِبِ وَإِلَّا لَاتَّخَذَ النَّاسُ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ، وَهَلْ يَحْلِفُ لَهُ الْمُدَّعِي يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كَالْغَائِبِ أَوْ لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْحُضُورِ‏؟‏ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ هَذَا احْتِيَاطٌ لِلْقَضَاءِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالثَّانِي، وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْخَارِجُ عَنْ الْبَلَدِ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيُحْكَمَ وَيُكَاتَبَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَمَنْعُهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَشْهُورِ ‏(‏جَوَازُ‏)‏ ‏(‏الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي‏)‏ عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ نَحْوِ ‏(‏قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ الْمَالَ ‏(‏وَمَنْعُهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى‏)‏ أَوْ تَعْزِيرٍ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالدَّرْءِ لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّضْيِيقِ لِاحْتِيَاجِهِ، وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْعَى فِي دَفْعِهِ وَلَا يُوَسَّعُ بَابُهُ، وَالثَّالِثُ‏:‏ الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَالْأَمْوَالِ، وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِآدَمِيٍّ كَالسَّرِقَةِ يُقْضَى فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَسْتَعِدْهَا بَلْ يُخْبِرُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ جَرْحٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏سَمِعَ‏)‏ قَاضٍ ‏(‏بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ‏)‏ أَوْ عَلَى صَبِيٍّ فَبَلَغَ عَاقِلًا أَوْ عَلَى مَجْنُونٍ فَأَفَاقَ ‏(‏قَبْلَ الْحُكْمِ‏)‏ فِي الْجَمِيعِ ‏(‏لَمْ يَسْتَعِدْهَا‏)‏ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيدَهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْأَصْلِ إذَا حَضَرُوا بَعْدَ شَهَادَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ وَلَا حُكْمَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ ‏(‏بَلْ يُخْبِرُهُ‏)‏ أَيْ مَنْ ذُكِرَ بِالْحَالِ ‏(‏وَيُمَكِّنُهُ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ ‏(‏مِنْ جَرْحٍ‏)‏ فِيهَا وَمَا يَمْنَعُ شَهَادَتَهَا عَلَيْهِ كَعَدَاوَةٍ وَيُمْهَلُ لِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ‏.‏ وَأَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، وَالْجَرْحُ يَوْمَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْجَرْحَ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا قَالَاهُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ يَوْمَ الشَّهَادَةِ، بَلْ لَوْ جَرَحَهَا قَبْلَهَا وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ مَضَتْ لَمْ يُؤَثِّرْ الْجَرْحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَفِيهًا لِدَوَامِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وُلِّيَ وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏عُزِلَ‏)‏ قَاضٍ ‏(‏بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ وُلِّيَ‏)‏ ‏(‏وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ‏)‏ قَطْعًا، وَلَا يَحْكُمُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِهِ بِالْعَزْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَلَهُ الْحُكْمُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ أَحْضَرَهُ بِدَفْعِ خَتْمٍ طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَنَعَ بِلَا عُذْرٍ أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَعَزَّرَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ‏.‏ فَقَالَ ‏(‏وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ أَعْدَى يُعْدِي‏:‏ أَيْ يُزِيلُ الْعُدْوَانَ، وَهُوَ الظُّلْمُ‏:‏ كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شَكْوَاهُ ‏(‏عَلَى‏)‏ خَصْمٍ صَالِحٍ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ عَنْهَا ‏(‏حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ‏)‏ أَيْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي كَذِبَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ عُرِفَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَمْ لَا ‏(‏أَحْضَرَهُ‏)‏ وُجُوبًا إقَامَةً لِشِعَارِ الْأَحْكَامِ وَلَزِمَهُ الْحُضُورُ رِعَايَةً لِمَرَاتِبِ الْحُكَّامِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ‏:‏ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لَا أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ يَقْضِيَ الْحَقَّ إلَى الطَّالِبِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُحْضِرُ ذَوِي الْمُرُوآتِ فِي دَارِهِ لَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ مَنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَكَانَ يَتَعَطَّلُ بِحُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي التَّفْلِيسِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ بِعَدَمِ حَبْسِ مَنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ لَا يُعْتَرَضُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِهِ الْبَرْزَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ حَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَهَا أَمَدٌ يُنْتَظَرُ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَفِي الزَّوَائِدِ عَنْ الْعُدَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَتَوَهَّمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمُسْتَعْدِيَ يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ وَأَذَاهُ لَا يُحْضِرُهُ، وَلَكِنْ يُنْفِذُ إلَيْهِ مَنْ يُسْمِعُ الدَّعْوَى تَنْزِيلًا لِصِيَانَتِهِ مَنْزِلَةَ الْمُخَدَّرَةِ وَجَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ كَغَيْرِهِ فِي إحْضَارِ الْخَصْمِ، لَكِنْ لَا يُحْضِرُ إذَا صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ حَتَّى تَفْرُغَ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِنَّهُ يُحْضِرُهُ وَيَكْسِرُ عَلَيْهِ سَبْتَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيُّ فِي الْأَحَدِ‏.‏ أَمَّا إذَا دَعَاهُ الْخَصْمُ إلَى حَاكِمٍ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ فَقَالَ الْإِمَامُ‏:‏ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ، بَلْ الْوَاجِبُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ الْحُضُورُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏، وَحَمَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْأَوَّلَ، عَلَى مَا إذَا قَالَ‏:‏ لِي عَلَيْك كَذَا فَاحْضُرْ مَعِي إلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ وَفَاءُ الدَّيْنِ‏.‏ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا قَالَ‏:‏ بَيْنِي وَبَيْنَك مُحَاكَمَةٌ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا لِيَخْرُجَ عَنْهَا فَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ ا هـ‏.‏

وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَظْهَرُ، وَيُحْضِرُ الْقَاضِي الْخَصْمَ الْمَطْلُوبَ إحْضَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ‏(‏بِدَفْعِ خَتْمٍ‏)‏ أَيْ مَخْتُومِ ‏(‏طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ‏)‏ لِلْمُدَّعِي يَعْرِضُهُ عَلَى الْخَصْمِ وَلْيَكُنْ نَقْشُ الْخَتْمِ‏:‏ أَجِبْ الْقَاضِي فُلَانًا، وَكَانَ هَذَا أَوَّلًا عَادَةُ قُضَاةِ السَّلَفِ، ثُمَّ هُجِرَ وَاعْتَادَ النَّاسُ الْآنَ الْكِتَابَةَ فِي الْكَاغَدِ وَهُوَ أَوْلَى ‏(‏أَوْ‏)‏ أَحْضَرَهُ إنْ لَمْ يُجِبْ بِمَا مَرَّ ‏(‏بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ‏)‏ مِنْ الْأَعْوَانِ بِبَابِ الْقَاضِي يُسَمَّوْنَ فِي زَمَانِنَا بِالرُّسُلِ صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ، وَمُؤْنَةُ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يُرْزَقْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلِذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ إنْ لَمْ يُجِبْ بِمَا مَرَّ، فَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُرْسِلُ الْخَتْمَ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعَثَ إلَيْهِ الْعَوْنَ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ أُجْرَتِهِ مِنْهُ - أَيْ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْعَوْنِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرْزَقْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ‏.‏ نَعَمْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ مُؤْنَةُ مَنْ أَحْضَرَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحُضُورِ يَبْعَثُ الْخَتْمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، وَفِي الْحَاوِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ خَتْمِ الطِّينِ وَالْمُرَتَّبِ إنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْخَصْمِ وَضَعْفِهِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏امْتَنَعَ‏)‏ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْحُضُورِ ‏(‏بِلَا عُذْرٍ‏)‏ أَوْ سُوءِ أَدَبٍ بِكَسْرِ الْخَتْمِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بِقَوْلِ الْعَوْنِ الثِّقَةِ ‏(‏أَحْضَرَهُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ‏)‏ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ مُؤْنَتُهُمْ لِامْتِنَاعِهِ ‏(‏وَعَزَّرَهُ‏)‏ بِمَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ تَعْزِيرِهِ إنْ رَآهُ، فَإِنْ اخْتَفَى نُودِيَ بِإِذْنِ الْقَاضِي عَلَى بَابِ دَارِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سُمِّرَ بَابُهُ أَوْ خُتِمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَطَلَبِ الْخَتْمِ سَمَّرَهُ أَوْ خَتَمَهُ إجَابَةً إلَيْهِ إنْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّهَا دَارُهُ، وَلَا يُرْفَعُ الْمِسْمَارُ وَلَا الْخَتْمُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْحُكْمِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ أَنَّ مَحَلَّ التَّسْمِيرِ أَوْ الْخَتْمِ إذَا كَانَ لَا يَأْوِيهَا غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَلَا إلَى إخْرَاجِ مَنْ فِيهَا، فَإِنْ عَرَفَ مَوْضِعَهُ بَعَثَ إلَيْهِ النِّسَاءَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ الْخُصْيَانَ يَهْجُمُونَ الدَّارَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ، وَيَبْعَثُ مَعَهُمْ عَدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ فَإِذَا دَخَلُوا الدَّارَ وَقَفَ الرِّجَالُ فِي الصَّحْنِ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ فِي التَّفْتِيشِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَا هُجُومَ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَعَذَّرَ حُضُورُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ، وَهَلْ يُجْعَلُ امْتِنَاعُهُ كَالنُّكُولِ فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ‏؟‏ الْأَشْبَهُ نَعَمْ، لَكِنْ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إعَادَةِ النِّدَاءِ عَلَى بَابِهِ ثَانِيًا بِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي حُكِمَ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ لِعُذْرٍ‏:‏ كَخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ حَبْسِهِ، أَوْ مَرَضٍ بَعَثَ إلَيْهِ نَائِبَهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، أَوْ وَكَّلَ الْمَعْذُورُ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ، وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهِ مَنْ يُحَلِّفُهُ إنْ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سَمِعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَحَكَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ كَالْغَيْبَةِ فِي سَمَاعِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ، أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً وَيَكْتُبُ إلَيْهِ، أَوْ لَا نَائِبَ فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ لَيْلًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الِاسْتِعْدَاءُ عَلَى ‏(‏غَائِبٍ فِي غَيْرِ‏)‏ مَحَلِّ ‏(‏وِلَايَتِهِ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي ‏(‏فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، بَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْهَى السَّمَاعَ، وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي عَلَى مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى غَائِبٍ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ‏(‏وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ‏)‏ الْقَاضِي لِمَا فِي إحْضَارِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ هُنَاكَ ‏(‏بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً‏)‏ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ‏(‏وَيَكْتُبُ‏)‏ بِسَمَاعِهَا ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ نَائِبِهِ لِيَحْكُمَ بِهَا لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكِتَابَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى ‏(‏أَوْ لَا نَائِبَ‏)‏ لَهُ هُنَاكَ ‏(‏فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ‏)‏ لَكِنْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَصِحَّةِ سَمَاعِهَا ‏(‏وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ‏)‏ إلَى مَوْضِعِهِ ‏(‏لَيْلًا‏)‏ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَدِّي لِمَنْ طَلَبَ خَصْمًا مِنْهَا لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ - أَيْ يُقَوِّيهِ أَوْ يُعِينُهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ إنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُ الْحَاضِرِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ‏.‏ وَالثَّالِثُ يُحْضِرُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحَهُ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَدْعَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ السَّفَرُ طَرِيقًا لِإِبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَحْضَرَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي إحْضَارِهِ‏.‏ وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى بَلَدِ الْمَطْلُوبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ إحْضَارِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَائِبٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَتَوَسَّطُ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَكْتُبُ إلَيْهِ أَنْ يَتَوَسَّطَ وَيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَرَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَابْنُ يُونُسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ‏:‏ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْقَضِيَّةُ مِمَّا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَيَكْفِي وُجُودُ مُتَوَسِّطٍ مُطَاعٍ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَلَا بُدَّ مِنْ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِيُفَوِّضَ إلَيْهِ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِصُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ لَيْلًا يَتَنَاوَلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ اللَّيْلِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا هُوَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ فِي سَوَالِبِ الْوِلَايَةِ ا هـ‏.‏

ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تُحْضَرُ، وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

قَوْلَهُ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ‏)‏ الْحَاضِرَةَ ‏(‏لَا تُحْضَرُ‏)‏ لِلدَّعْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُضَارِعُ أُحْضِرَ - أَيْ لَا تُكَلَّفُ الْحُضُورَ لِلدَّعْوَى عَلَيْهَا صَرْفًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا‏}‏ فَلَمْ يَطْلُبْهَا لِكَوْنِهَا مُخَدَّرَةً، وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ ظَاهِرًا لِكَوْنِهَا بَرْزَةً، كَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ وَنُظِرَ فِيهِ، وَلَا تُكَلَّفُ أَيْضًا الْحُضُورَ لِلتَّحْلِيفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْيَمِينِ تَغْلِيظٌ بِالْمَكَانِ فَإِنْ كَانَ أُحْضِرَتْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الدَّعَاوَى، بَلْ تُوَكِّلُ أَوْ يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا نَائِبَهُ فَتُجِيبُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَنَّهَا هِيَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ مَحَارِمِهَا أَنَّهَا هِيَ، وَإِلَّا تَلَفَّعَتْ بِنَحْوِ مِلْحَفَةٍ وَخَرَجَتْ مِنْ السِّتْرِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَعِنْدَ الْحَلِفِ تَحْلِفُ فِي مَكَانِهَا ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْمُخَدَّرَةُ ‏(‏مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ‏)‏ مُتَكَرِّرَةٍ كَشِرَاءِ خُبْزٍ وَقُطْنٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ وَنَحْوِهَا بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ أَصْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ إلَّا قَلِيلًا لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ وَحَمَّامٍ وَعَزَاءٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا تَحْضُرُ كَغَيْرِهَا وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَغَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ وَهِيَ الْبَرْزَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ يُحْضِرُهَا الْقَاضِي، لَكِنْ يَبْعَثُ إلَيْهَا مَحْرَمًا لَهَا أَوْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ لِتَخْرُجَ مَعَهُمْ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَانَتْ بَرْزَةً ثُمَّ لَزِمَتْ التَّخَدُّرَ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ حُكْمُهَا حُكْمُ الْفَاسِقِ يَتُوبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ سَنَةٍ فِي قَوْلٍ، أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْلٍ ا هـ‏.‏

وَفَرَّقَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ بِرِفْعَةِ بَعْلِهَا وَغَيْرِهَا‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ لِلتَّخْدِيرِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ا هـ‏.‏

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّخْدِيرِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏:‏ إنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ نِسَائِهِمْ التَّخْدِيرُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ - أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَهَذَا أَوْلَى‏.‏ خَاتِمَةٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُهِمَّةٍ‏:‏ لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عَلَى كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عَلَى كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَالْحُكْمُ كَالْإِشْهَادِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا بَأْسَ بِهَا، وَقَوْلُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ‏:‏ كُنْت عَزَلْت وَكِيلِي قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، لَا يُبْطِلُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْغَائِبِ بَاطِلٌ‏.‏ وَلَيْسَ لِمَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ أَرْسَلَهُ بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ، وَخَرَجَ بِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي الطَّرِيقِ عَنْ الْقَاضِي الْمَقْصُودِ إلَّا إنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِأَنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ شَاهِدَيْنِ يَحْضُرَانِ بِالْكِتَابِ وَيَشْهَدَانِ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَقْصُودِ أَوْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَ قَاضٍ فَيَضْمَنُهُ وَيَكْتُبُ بِهِ لِلْقَاضِي الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا وَلَا شُهُودًا وَطَلَبَ أُجْرَةً لِخُرُوجِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَقْصُودِ لَمْ يُعْطَ غَيْرَ النَّفَقَةِ وَكِرَاءَ الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ سُؤَالِهِ الْأُجْرَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَيُعْطَاهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ وَالْقَنَاعَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إشْهَادِ غَيْرِهِ، وَهُنَا التَّحَمُّلُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحَقَّ مِنْ الْخَصْمِ وَسَأَلَهُ الْخَصْمُ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمُدَّعِي بِذَلِكَ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يُطَالِبُ بِإِلْزَامِ مَا حَكَمَ بِهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ الْكِتَابَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ كَمَا لَا يَلْزَمُ مَنْ اسْتَوْفَى مِنْ غَرِيمِهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ أَوْ مَنْ بَاعَ غَيْرَهُ شَيْئًا لَهُ بِهِ حُجَّةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحُجَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ مِلْكَهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُهُ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَلِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالٍ لِلْغَائِبِ مِنْ ثِقَةٍ لِيَحْفَظَهُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَهُ بَيْعُ حَيَوَانِهِ لِخَوْفِ هَلَاكِهِ وَنَحْوِهِ كَغَصْبِهِ، وَلَهُ إجَارَتُهُ إنْ أَمِنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ أَجَّرَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَلِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي كَانَ بِنِيَابَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَالُ مَنْ لَا تُرْجَى مَعْرِفَتُهُ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَلَهُ حِفْظُهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْأَحْوَطُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ لَا حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلنَّهْبِ وَمَدِّ أَيْدِي الظَّلَمَةِ إلَيْهِ‏.‏

بَابُ الْقِسْمَةِ

المتن‏:‏

قَدْ يَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ أَوْ مَنْصُوبُهُمْ أَوْ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

بَابُ الْقِسْمَةِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ بَعْضٍ، وَالْقَسَّامُ الَّذِي يَقْسِمُ الْأَشْيَاءَ بَيْنَ النَّاسِ‏.‏ قَالَ لَبِيدٌ‏:‏ فَارْضَ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيكُ فَإِنَّمَا قَسَمَ الْمَعِيشَةَ بَيْنَنَا قَسَّامُهَا وَوَجْهُ ذِكْرِهَا فِي خِلَالِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْقَسَّامِ لِلْحَاجَةِ إلَى قِسْمَةِ الْمُشْتَرَكَاتِ، بَلْ الْقَاسِمُ كَالْحَاكِمِ فَحَسُنَ الْكَلَامُ فِي الْقِسْمَةِ مَعَ الْأَقْضِيَةِ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ‏}‏ وَخَبَرُ ‏{‏الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ‏}‏ ‏{‏وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَرْبَابِهَا‏}‏ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَخَلَّصُ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي ‏(‏قَدْ يَقْسِمُ‏)‏ الْمُشْتَرَكَ ‏(‏الشُّرَكَاءُ‏)‏ بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَقْسِمُهُ ‏(‏مَنْصُوبُهُمْ‏)‏ أَيْ وَكِيلُهُمْ ‏(‏أَوْ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ‏)‏ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ أَوْ الْمُحَكِّمُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ وَكَّلَ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْسِمَ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ‏:‏ إنْ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يُفْرِزَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَفِي هَذَا لَا يُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ جُزْءًا وَاحِدًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، وَإِنْ وَكَّلَ جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ أَحَدَهُمْ أَنْ يَقْسِمَ عَنْهُمْ وَيَرَى فِيمَا يَأْخُذُهُ بِالْقِسْمَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْيَهُ لَمْ يَجُزْ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكِيلًا عَنْ نَفْسِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُ مَنْصُوبِهِ‏:‏ ذَكَرٌ حُرٌّ عَدْلٌ، يَعْلَمُ الْمِسَاحَةَ وَالْحِسَابَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ وَجَبَ قَاسِمَانِ، وَإِلَّا فَقَاسِمٌ، وَفِي قَوْلٍ اثْنَانِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَشَرْطُ مَنْصُوبِهِ‏)‏ أَيْ الْإِمَامِ ‏(‏ذَكَرٌ حُرٌّ عَدْلٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ كَالْحَاكِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ فِي الْحُجَّةِ وَيَجْتَهِدُ، ثُمَّ يُلْزِمُ بِالْحُكْمِ‏:‏ كَذَلِكَ الْقَسَّامُ أَيْضًا مِسَاحَةً وَتَقْدِيرًا، ثُمَّ يُلْزِمُ بِالْإِفْرَازِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ وَمَنْ لَا يَتَّصِفُ بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُعْتُبِرَ فِي الْمُحَرَّرِ التَّكْلِيفُ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهِ فِي الْعَدَالَةِ كَدُخُولِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ عَدْلٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَاسْتُفِيدَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ وَالضَّبْطِ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏يَعْلَمُ الْمِسَاحَةَ‏)‏ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ مَسَحَ الْأَرْضَ ذَرَعَهَا، وَعِلْمُ الْمِسَاحَةِ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَالْحِسَابَ‏)‏ لِاسْتِدْعَائِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَإِنَّمَا شُرِطَ عِلْمُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا آلَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا أَنَّ الْفِقْهَ آلَةُ الْقَضَاءِ، وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأُمِّ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّقْوِيمِ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِيَانِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا رَجَعَ إلَى إخْبَارِ عَدْلَيْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ فِي قِسْمَتَيْ التَّعْدِيلِ وَالرَّدِّ دُونَ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ مَنْصُوبُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ أَيْضًا، وَمُحَكِّمُهُمْ كَمَنْصُوبِ الْإِمَامِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏كَانَ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةِ ‏(‏تَقْوِيمٌ‏)‏ هُوَ مَصْدَرُ قَوَّمَ السِّلْعَةَ‏:‏ قَدَّرَ قِيمَتَهَا ‏(‏وَجَبَ قَاسِمَانِ‏)‏ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَوِّمِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ ‏(‏فَقَاسِمٌ‏)‏ وَاحِدٌ فِي الْأَظْهَرِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مِنْ طَرِيقٍ ‏(‏اثْنَانِ‏)‏ كَالْمُقَوِّمَيْنِ، وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ شَاهِدٌ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ تَلْزَمُ بِنَفْسِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ لِأَهْلِهَا، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ لَمْ نَجِدْ نَصًّا صَرِيحًا يُخَالِفُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَنْصُوبِ الْإِمَامِ فَلَوْ فَوَّضَ الشُّرَكَاءُ الْقِسْمَةَ إلَى وَاحِدٍ غَيْرِهِمْ بِالتَّرَاضِي جَازَ قَطْعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ‏.‏ يَكْفِي وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَرْصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ كَالتَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمُ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ لَهُ كَالشَّاهِدِ وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاسِمُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ وَجَبَ تَعَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَمَلٍ مَحْسُوسٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ فَيُعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ، وَيَقْسِمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ‏)‏ بِأَنْ يُفَوِّضَ لَهُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ فِيهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ ‏(‏فَيُعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ‏)‏ أَيْ بِقَوْلِهِمَا ‏(‏وَيَقْسِمُ‏)‏ بِنَفْسِهِ، وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ فِي التَّقْوِيمِ بِعِلْمِهِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ قَدْرًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ‏)‏ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ ‏(‏مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ وُجُوبًا إذَا كَانَ فِيهِ سِعَةٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِعْلَ ذَلِكَ، وَلَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَصْرِفٌ أَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفِ ‏(‏فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ‏)‏ إنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ جَمِيعُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَهُمْ، وَقِيلَ‏:‏ هِيَ عَلَى الطَّالِبِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ نَصْبُ قَاسِمٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ يَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ مَنْ شَاءُوا لِئَلَّا يُغَالِيَ الْمُعَيَّنُ فِي الْأُجْرَةِ أَوْ يُوَاطِئَهُ بَعْضُهُمْ فَيَحِيفَ، كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ‏(‏فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏قَدْرًا لَزِمَهُ‏)‏ سَوَاءٌ تَسَاوَوْا فِيهِ أَمْ تَفَاضَلُوا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا بِالْأُجْرَةِ مِثْلَ حِصَّتِهِ أَمْ لَا، وَلْيَسْتَأْجِرُوا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُوا اسْتَأْجَرْنَاك لِتَقْسِمَ بَيْنَنَا كَذَا بِدِينَارٍ عَلَى فُلَانٍ وَدِينَارَيْنِ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُوَكِّلُوا مَنْ يَعْقِدُ لَهُمْ كَذَلِكَ، فَلَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَقْدٍ لِإِفْرَازِ نَصِيبِهِ وَتَرَتَّبُوا كَمَا قَالَاهُ أَوْ لَمْ يَتَرَتَّبُوا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا صَحَّ إنْ رَضِيَ الْبَاقُونَ، بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ أَحَدُهُمْ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَصِيلًا وَوَكِيلًا وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى عَقْدِ الْبَاقِينَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏ نَعَمْ لَهُمْ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ‏:‏ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ كُلًّا عَقَدَ لِنَفْسِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ سَمَّوْا أُجْرَةً مُطْلَقَةً فِي إجَارَةِ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ ‏(‏فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى‏)‏ قَدْرِ ‏(‏الْحِصَصِ‏)‏ الْمَأْخُوذَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْمُشْتَرَكِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مِنْ طَرِيقٍ حَاكِيَةٍ لِقَوْلَيْنِ الْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ ‏(‏عَلَى‏)‏ عَدَدِ ‏(‏الرُّءُوسِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي النَّصِيبِ الْقَلِيلِ كَالْعَمَلِ فِي الْكَثِيرِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ذَكَرَهَا الْمَرَاوِزَةُ، وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَزْمُ بِالْأَوَّلِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَهِيَ أَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ، فَلَوْ أُلْزِمَ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لَرُبَّمَا اُسْتُوْعِبَ قِيمَةُ نَصِيبِهِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِالْمَنْقُولِ وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِصَصِ الْأَصْلِيَّةِ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرِهَا، بَلْ عَلَى قَدْرِ الْمَأْخُوذِ قِلَّةً وَكَثْرَةً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْكَثِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْقَلِيلِ، هَذَا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلِلْمُوَزِّعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالٍ الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ غِبْطَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْمُؤَنِ التَّابِعَةِ لَهَا، وَعَلَى الْوَلِيِّ طَلَبُ الْقِسْمَةِ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ فِيهَا غِبْطَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَطْلُبُهَا، وَإِنْ طَلَبَهَا الشَّرِيكُ أُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ فِيهَا غِبْطَةٌ وَكَالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ‏.‏ وَلَوْ دَعَا الشُّرَكَاءُ الْقَاسِمَ وَلَمْ يُسَمُّوا لَهُ أُجْرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَمَا لَوْ دَفَعَ شَخْصٌ ثَوْبَهُ لِقَصَّارٍ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أُجْرَةً أَوْ الْحَاكِمَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ كَاتِبًا لِكِتَابَةِ صَكٍّ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الشُّفْعَةِ‏.‏

المتن‏:‏

ثُمَّ مَا عَظُمَ الضَّرَرُ فِي قِسْمَتِهِ كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ خُفٍّ إنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي، وَلَا يَمْنَعُهُمْ إنْ قَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ مَنْفَعَتُهُ كَسَيْفٍ يُكْسَرُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏ثُمَّ مَا‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي ‏(‏عَظُمَ الضَّرَرُ فِي قِسْمَتِهِ‏)‏ ‏(‏كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ‏)‏ أَيْ فَرْدَيْ ‏(‏خُفٍّ‏)‏ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ ‏(‏إنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي‏)‏ إلَيْهَا جَزْمًا وَيَمْنَعُهُمْ مِنْهَا إنْ بَطُلَتْ مَنْفَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي زَوْجَيْ خُفٍّ وَقَالَ‏:‏ لَمْ أَجِدْ لِلرَّافِعِيِّ شَاهِدًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَلَا سَلَفًا فِي ذَلِكَ فِي الطَّرِيقَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَنْتَفِعُ بِفَرْدَةِ الْخُفِّ كَأَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَصْحَابُ لَا يَنْظُرُونَ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّادِرَةِ ‏(‏وَلَا يَمْنَعُهُمْ إنْ قَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ مَنْفَعَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَقْسُومِ بِالْكُلِّيَّةِ ‏(‏كَسَيْفٍ يُكْسَرُ‏)‏ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ مِمَّا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ عَلَى حَالِهِ، أَوْ بِاِتِّخَاذِهِ سِكِّينًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُجِيبُهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْقَاضِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ثُمَّ جُوِّزَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ رُخْصَةٌ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ أَيْضًا‏:‏ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ إنَاءٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ أَنْ لَا يَحْصُلَ هُنَاكَ نَقْصٌ بِسَبَبِ تَسْلِيمِهِ، وَهُوَ لَوْ بَاعَهُ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ، ثُمَّ لَهُمْ الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَا يَبْطُلُ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ فِي الْأَصَحّ، فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ‏.‏ أُجِيبَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ فَالْأَصَحُّ إجْبَارُ صَاحِبِ الْعُشْرِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ دُونَ عَكْسِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَا يَبْطُلُ‏)‏ بِقِسْمَتِهِ ‏(‏نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ‏)‏ طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ مَا ذُكِرَ، وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ ‏(‏لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ‏)‏ جَبْرًا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الْحَدِيثِ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ‏}‏ رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي‏:‏ يُجَابُ لِأَجْلِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي لَفْظِ صَغِيرَيْنِ تَغْلِيبُ الْأَوَّلِ الْمُذَكَّرِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْحَمَّامِ مُذَكَّرٌ عَلَى الثَّانِي الْمُؤَنَّثِ، فَإِنَّ الطَّاحُونَةَ وَهِيَ الرَّحَى كَمَا فِي الصِّحَاحِ مُؤَنَّثَةٌ ‏(‏فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ ‏(‏حَمَّامَيْنِ‏)‏ أَوْ طَاحُونَتَيْنِ ‏(‏أُجِيبَ‏)‏ طَالِبُ قِسْمَةِ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إحْدَاثِ بِئْرٍ أَوْ مُسْتَوْقَدٍ وَتَيَسَّرَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ مَعَ تَيَسُّرِ تَدَارُكِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ قَرِيبٍ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا تَيَسَّرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَا يَلِي ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ مَوَاتًا، فَلَوْ كَانَ مَا يَلِيهِ وَقْفًا أَوْ شَارِعًا أَوْ مِلْكًا لِمَنْ لَا يَسْمَحُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا، وَحِينَئِذٍ يُجْزَمُ بِنَفْيِ الْإِجْبَارِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهَا وَلَوْ بِإِحْدَاثِ مَرَافِقَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ بَاعَ دَارًا لَا مَمَرّ لَهَا مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَلَّا كَانَتْ الْقِسْمَةُ كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُمْكِنْ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَلَوْ كَانَ‏)‏ ‏(‏لَهُ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ‏)‏ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ‏:‏ أَيْ الْعُشْرُ ‏(‏لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ‏)‏ يَصْلُحُ لَهَا وَلَوْ بِضَمِّ مَا يَمْلِكُهُ بِجِوَارِهِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ‏)‏ الْمَنْصُوصُ ‏(‏إجْبَارُ صَاحِبِ الْعُشْرِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَضَرَرُ صَاحِبِ الْعُشْرِ لَا يَنْشَأُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقِسْمَةِ، بَلْ سَبَبُهُ قِلَّةُ نَصِيبِهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ لِضَرَرِ شَرِيكِهِ ‏(‏دُونَ عَكْسِهِ‏)‏ وَهُوَ عَدَمُ إجْبَارِ صَاحِبِ الْبَاقِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ مُتَعَنِّتٌ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُجْبَرُ لِيَتَمَيَّزَ مِلْكُهُ، أَمَّا إذَا صَلُحَ الْعُشْرُ وَلَوْ بِالضَّمِّ فَيُجْبَرُ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّعَنُّتِ حِينَئِذٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَانَ نِصْفُ دَارٍ لِخَمْسَةٍ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ لِوَاحِدٍ فَطَلَبَ الْآخَرُ الْقِسْمَةَ‏.‏ أُجِيبَ، وَحِينَئِذٍ فَلِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ الْقِسْمَةُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ كَانَ الْعُشْرُ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَصْلُحُ مَسْكَنًا لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فَائِدَةً لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ بَقِيَ حَقُّ الْخَمْسَةِ مُشَاعًا ثُمَّ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْقِسْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ الْبَاقُونَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ طَلَبَ أَوَّلًا الْخَمْسَةُ نَصِيبَهُمْ مُشَاعًا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ كَعَشْرَةٍ فَطَلَبَ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ إفْرَازَ نَصِيبِهِمْ مُشَاعًا أُجِيبُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِنَصِيبِهِمْ كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُطْلَقَ الِانْتِفَاعِ لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَا لَا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ قِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ‏:‏ أَحَدُهَا بِالْأَجْزَاءِ كَمِثْلِيٍّ وَدَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ، وَأَرْضٍ مُشْتَبِهَةِ الْأَجْزَاءِ فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا وَوَزْنًا وَذَرْعًا بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اسْتَوَتْ، وَيَكْتُبُ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ شَرِيكٍ أَوْ جُزْءًا مُمَيَّزًا بِحَدٍّ أَوْ جِهَةٍ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُسْتَوِيَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُهَا مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا رُقْعَةً عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ إنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ، أَوْ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جُزِّئَتْ الْأَرْضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ وَقُسِّمَتْ كَمَا سَبَقَ، وَيُحْتَرَزُ عَنْ تَفْرِيقِ حِصَّةِ وَاحِدٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَا لَا يَعْظُمُ‏)‏ فِي قِسْمَتِهِ ‏(‏ضَرَرُهُ قِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ‏)‏ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ الْمَرَاوِزَةِ‏:‏ قِسْمَةُ أَجْزَاءٍ، وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ، وَقِسْمَةُ رَدٍّ؛ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ إمَّا أَنْ تَتَسَاوَى الْأَنْصِبَاءُ فِيهِ إلَى إعْطَاءِ شَيْءٍ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ لَا‏.‏ الْأَوَّلُ الرَّدُّ‏.‏ وَالثَّانِي التَّعْدِيلُ، وَنَوْعَانِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ‏:‏ قِسْمَةُ رَدٍّ، وَقِسْمَةٌ لَا رَدَّ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ‏.‏ وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ‏.‏ فَقَالَ ‏(‏أَحَدُهَا‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏بِالْأَجْزَاءِ‏)‏ وَتُسَمَّى قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَلَا إلَى تَقْوِيمٍ ‏(‏كَمِثْلِيٍّ‏)‏ مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ حَدُّ الْمِثْلِيِّ فِي الْغَصْبِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَتُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ فِي الْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ، فَإِنَّ الْحَبَّ الْمَعِيبَ وَالنَّقْدَ الْمَغْشُوشَ مَعْدُودَانِ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِالْمَغْشُوشَةِ فَهِيَ مِثْلِيَّةٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ ‏(‏وَ‏)‏ مِثْلُ ‏(‏دَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ، وَ‏)‏ مِثْلُ ‏(‏أَرْضٍ مُشْتَبِهَةِ الْأَجْزَاءِ‏)‏ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالثِّيَابُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي لَا تَنْقُصُ بِالْقَطْعِ ‏(‏فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ‏)‏ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْصِبَةُ مُتَفَاوِتَةً إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلِيَنْتَفِعَ الطَّالِبُ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِاتِّفَاقِ الْأَبْنِيَةِ فِي الدَّارِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ فِي شَرْقِيِّ الدَّارِ صُفَّةٌ وَبَيْتٌ، وَكَذَلِكَ فِي غَرْبِيِّهَا ‏(‏فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا‏)‏ فِي الْمَكِيلِ ‏(‏وَوَزْنًا‏)‏ فِي الْمَوْزُونِ ‏(‏وَذَرْعًا‏)‏ فِي الْمَذْرُوعِ كَالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ، أَوْ عَدًّا فِي الْمَعْدُودِ وَقَوْلُهُ ‏(‏بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ‏)‏ مُتَعَلِّقٌ بِ تُعَدَّلُ، هَذَا ‏(‏إنْ اسْتَوَتْ‏)‏ تِلْكَ الْأَنْصِبَاءُ، كَمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَتُجْعَلُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ ثَلَاثُ رِقَاعٍ ‏(‏وَيَكْتُبُ‏)‏ مَثَلًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ ‏(‏فِي كُلِّ رُقْعَةٍ‏)‏ إمَّا ‏(‏اسْمَ شَرِيكٍ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏أَوْ جُزْءًا‏)‏ مِنْ الْأَجْزَاءِ ‏(‏مُمَيَّزًا‏)‏ عَنْ الْبَقِيَّةِ ‏(‏بِحَدٍّ أَوْ جِهَةٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏وَتُدْرَجُ‏)‏ الرُّقَعُ ‏(‏فِي بَنَادِقَ‏)‏ مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ ‏(‏مُسْتَوِيَةٍ‏)‏ وَزْنًا وَشَكْلًا لِئَلَّا تَسْبِقَ الْيَدُ لِإِخْرَاجِ الْكَبِيرَةِ وَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِصَاحِبِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فِي الْبَنَادِقِ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْجُوَيْنِيِّ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لَا الْوُجُوبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَنَقَلَا فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كَدَوَاةٍ وَقَلَمٍ وَحَصَاةٍ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَفِيهِ وَقْفَةٌ، إذْ لَا حِيفَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ بِالْحَالِ، وَأَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏ثُمَّ يُخْرِجُهَا‏)‏‏:‏ أَيْ الرِّقَاعَ ‏(‏مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا‏)‏ بَعْدَ أَنْ تُجْعَلَ فِي حُجْرَةٍ مَثَلًا، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏:‏ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَ وَالْأَدْرَاجَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُنَا‏:‏ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ هُنَالِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَبِيٌّ وَنَحْوُهُ كَعَجَمِيٍّ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ ‏(‏رُقْعَةً‏)‏ إمَّا ‏(‏عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ‏)‏ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ ‏(‏إنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ‏)‏ فِي الرِّقَاعِ كَزَيْدٍ وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ ‏(‏فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ‏)‏ فِي تِلْكَ الرُّقْعَةِ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُ رُقْعَةً أُخْرَى عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيهِ فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الرُّقْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا رُقْعَةً ‏(‏عَلَى اسْمِ زَيْدٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ‏)‏ فِي الرِّقَاعِ أَيْ أَسْمَاءَ الْأَجْزَاءِ فَيُخْرِجُ رُقْعَةً فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى اسْمِ بَكْرٍ، وَيَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الثَّالِثُ لِخَالِدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ، بَلْ يَأْتِي فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ إذَا عُدِّلَتْ الْأَجْزَاءُ بِالْقِيمَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الِاعْتِبَارُ فِي الْبُدَاءَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَالْأَجْزَاءِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْقَسَّامِ فَيَقِفُ عَلَى أَيْ طَرَفٍ شَاءَ وَيُسَمِّي مَنْ شَاءَ، فَإِنَّ الْمُحَكِّمَ فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْقُرْعَةُ فَلَا تُهْمَةَ ‏(‏فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ‏)‏ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ‏(‏كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ‏)‏ فِي أَرْضٍ مَثَلًا ‏(‏جُزِّئَتْ الْأَرْضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ‏)‏ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ ‏(‏وَقُسِّمَتْ‏)‏ أَيْ الْأَرْضُ ‏(‏كَمَا سَبَقَ‏)‏ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ كَتْبِهِ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ وَكَتْبِهِ الْأَجْزَاءَ، لَكِنَّ الْمُصَحَّحَ كَتْبِهِ أَسْمَاءَهُمْ دُونَ كَتْبِهِ الْأَجْزَاءَ، وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ سُلُوكُ كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَتْبُ الْأَسْمَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ أَوْ أَخْرَجَ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَرُبَّمَا خَرَجَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ الْجُزْءُ الثَّانِي أَوْ الْخَامِسُ فَيُفَرَّقُ مِلْكُ مَنْ لَهُ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيُحْتَرَزُ‏)‏ إذَا كَتَبَ الْأَجْزَاءَ ‏(‏عَنْ تَفْرِيقِ حِصَّةِ وَاحِدٍ‏)‏ بِأَنْ لَا يَبْدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، بَلْ بِصَاحِبِ النِّصْفِ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ وَلَاءً، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ الثَّانِي أَخَذَهُ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَإِعْطَاؤُهُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ تَحَكُّمٌ فَلِمَ لَا أُعْطِي اثْنَانِ بَعْدَهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ يُقَالُ‏:‏ لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا، بَلْ يَتْبَعُ نَظَرَ الْقَاسِمِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَوْ خَرَجَ لَهُ الثَّالِثُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِاسْمِ الْآخَرِينَ أَوْ الرَّابِعُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالْأَخِيرَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ الْخَامِسُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَيَتَعَيَّنُ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالْأَوَّلَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ السَّادِسُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْرِجُ رُقْعَةً أُخْرَى بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرِينَ وَلَا يُخْفِي الْحُكْمَ، أَوْ بِصَاحِبِ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَخَذَهُمَا، أَوْ الْخَامِسُ أَوْ السَّادِسُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُ بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرِينَ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الثَّالِثُ أَخَذَهُ مَعَ الثَّانِي، وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السَّادِسِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، أَوْ الرَّابِعُ أَخَذَهُ مَعَ الْخَامِسِ، وَتَعَيَّنَ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، هَذَا إذَا كَتَبَ فِي سِتِّ رِقَاعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ثَلَاثِ رِقَاعٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةٌ فَيُخْرِجُ رُقْعَةً عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ الثَّانِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيه وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ النِّصْفِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ أَوَّلًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَالْخَامِسُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَإِنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ مِمَّا مَرَّ، وَلَا يُخْرِجُ السِّهَامَ عَلَى الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِلَا خِلَافٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى زَائِدَةً عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا سُرْعَةُ خُرُوجِ اسْمِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَيْفًا لِتَسَاوِي السِّهَامِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبَيْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مَزِيَّةً بِكَثْرَةِ الْمِلْكِ، فَكَانَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ بِكَثْرَةِ الرِّقَاعِ‏.‏

المتن‏:‏

الثَّانِي بِالتَّعْدِيلِ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسْبِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ فَطَلَبَ جَعْلَ كُلٍّ لَوَاحِدٍ فَلَا إجْبَارَ، أَوْ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ مِنْ نَوْعٍ أُجْبِرَ، أَوْ نَوْعَيْنِ فَلَا

الشَّرْحُ‏:‏

النَّوْعُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏بِالتَّعْدِيلِ‏)‏ بِأَنْ تُعَدَّلَ السِّهَامُ بِالْقِسْمَةِ، وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يُعَدُّ فِيهِ الْمَقْسُومُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَمَا يُعَدُّ فِيهِ شَيْئَيْنِ، فَالْأَوَّلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ‏(‏كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ‏)‏ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَخْتَلِفُ جِنْسُ مَا فِيهَا كَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ، وَدَارٌ بَعْضُهَا حَجَرٌ وَبَعْضُهَا لَبِنٌ، فَإِذَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقِيمَةُ ثُلُثِهَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذُكِرَ كَقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا الْخَالِي عَنْ ذَلِكَ جُعِلَ الثُّلُثُ سَهْمًا وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا وَأُقْرِعَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِالْبُسْتَانِ فُهِمَ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جُعِلَتْ سِتَّةُ أَسْهُمٍ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِسَاحَةِ ‏(‏وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ إلْحَاقًا لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ بِالتَّسَاوِي فِي الْأَجْزَاءِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ، لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ بِحَسَبِ الْمَأْخُوذِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَمْكَنَ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ كَأَرْضَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَجْزَاءِ‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ التَّعْدِيلِ، وَهُوَ مَا يُعَدُّ فِيهِ الْمَقْسُومُ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ، أَوْ حَانُوتَيْنِ‏)‏ مَثَلًا لِاثْنَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ ‏(‏فَطَلَبَ‏)‏ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏جَعْلَ كُلٍّ‏)‏ مِنْ الدَّارَيْنِ أَوْ الْحَانُوتَيْنِ ‏(‏لَوَاحِدٍ‏)‏ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ دَارًا أَوْ حَانُوتًا وَلِشَرِيكِهِ كَذَلِكَ ‏(‏فَلَا إجْبَارَ‏)‏ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَتَجَاوَرَا أَمْ تَبَاعَدَا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْأَبْنِيَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّارَيْنِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارَانِ لَهُمَا بِمِلْكِ الْقَرْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِمَا وَشَرِكَتُهُمَا بِالنِّصْفِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْقَرْيَةِ، وَاقْتَضَتْ الْقِسْمَةُ نِصْفَيْنِ جَعْلَ كُلِّ دَارٍ نَصِيبًا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْحَانُوتَيْنِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي دَكَاكِينَ صِغَارٍ مُتَلَاصِقَةٍ لَا تَحْتَمِلُ آحَادُهَا الْقِسْمَةَ وَتُسَمَّى الْعَضَائِدُ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ أَعْيَانِهَا‏.‏ أُجِيبَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِالْقِسْمَةِ، وَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْخَانِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْمَسَاكِنِ‏.‏ قَالَ الْجِيلِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْقِسْمَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ جَزْمًا ‏(‏أَوْ‏)‏ اسْتَوَتْ قِيمَةُ ‏(‏عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ‏)‏ أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْجَارٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ ‏(‏مِنْ نَوْعٍ‏)‏ وَأَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ ‏(‏أُجْبِرَ‏)‏ الْمُمْتَنِعُ إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِالْقِسْمَةِ كَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَالْآخَرَيْنِ مِائَةٌ وَكَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، وَذَلِكَ لِعِلَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا‏.‏ أَمَّا إذَا بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْبَعْضِ كَعَبْدَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الْآخَرِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ لِيَخْتَصَّ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْخَسِيسِ بِهِ وَيَبْقَى لَهُ رُبُعُ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ لَا إجْبَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَرْتَفِعُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَبِيدٍ وَثِيَابٍ مَعْطُوفٌ عَلَى دَارَيْنِ إذْ تَقْدِيرُهُ أَوْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا اسْتِثْنَاءَ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏نَوْعَيْنِ‏)‏ كَعَبْدَيْنِ تُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ أَوْ جِنْسَيْنِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ إجْبَارَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَا وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَتَمْرٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَكُلِّ جِنْسٍ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ مِثْلُ هَذَا بِالتَّرَاضِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلْوٍ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا لَا عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لِآخَرَ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ اسْتَوَتْ قَوَالِبُهُ فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَالتَّعْدِيلُ‏.‏

المتن‏:‏

الثَّالِثُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَيَرُدُّ مَنْ يَأْخُذُهُ قِسْطَ قِيمَتِهِ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَكَذَا التَّعْدِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ إفْرَازٌ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

النَّوْعُ ‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏بِالرَّدِّ‏)‏ ‏(‏بِأَنْ‏)‏ يَحْتَاجَ فِي الْقِسْمَةِ إلَى رَدِّ مَالِ أَجْنَبِيٍّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ كَأَنْ ‏(‏يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ‏)‏ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ ‏(‏بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ‏)‏ وَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يُعَادِلُ ذَلِكَ إلَّا بِضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ ‏(‏فَيَرُدُّ مَنْ يَأْخُذُهُ‏)‏ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ ‏(‏قِسْطَ قِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الشَّجَرِ مِثَالُهُ قِيمَةُ كُلِّ جَانِبٍ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَوْ الشَّجَرِ أَلْفٌ فَاقْتَسَمَا رَدَّ آخِذُ مَا فِيهِ الْبِئْرُ أَوْ الشَّجَرُ خَمْسَمِائَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالُوا‏:‏ إنَّهُ يَضْبِطُ قِيمَةَ مَا اُخْتُصَّ بِهِ ذَلِكَ الطَّرَفُ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْجَانِبَ تِلْكَ الْقِيمَةَ، فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْقِسْطَ ‏(‏وَلَا إجْبَارَ فِيهِ‏)‏ أَيْ نَوْعِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ مَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ ‏(‏بَيْعٌ‏)‏ عَلَى الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقِيلَ بَيْعٌ فِي الْقَدْرِ الْمُقَابِلِ بِالْمَرْدُودِ، وَفِيمَا سِوَاهُ الْخِلَافُ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ ‏(‏وَكَذَا التَّعْدِيلُ‏)‏ بَيْعٌ أَيْضًا ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ لِلْحَاجَةِ كَبَيْعِ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ ‏(‏وَقِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ إفْرَازٌ‏)‏ تُبَيِّنُ أَنَّ مَا خَرَجَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَثَلًا هُوَ الَّذِي كَانَ مَلَكَهُ لَا بَيْعٌ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ وَلَمَا جَازَ الِاعْتِمَادُ فِيهَا عَلَى الْقُرْعَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهَا بَيْعٌ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ الرِّبَا وَزَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ إلَّا وَكَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا اقْتَسَمَا بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لَهُ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ بِمَالِهِ فِي حِصَّتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حَيْثُ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ ثَبَتَ فِيهَا أَحْكَامُهُ مِنْ الْخِيَارَيْنِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ بَيْعٍ أَوْ تَمَلُّكٍ، وَيَقُومُ الرِّضَا مَقَامَهُمَا فَيُشْتَرَطُ فِي الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَامْتَنَعَتْ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَمَا عَقَدَتْ النَّارُ أَجْزَاءَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَإِنْ قُلْنَا‏:‏ إفْرَازٌ جَازَ ذَلِكَ‏.‏ وَيُقْسَمُ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فِي الْإِفْرَازِ، وَلَوْ كَانَتْ قِسْمَتُهُمَا عَلَى الشَّجَرِ خَرْصًا لَا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ، فَلَا يُقْسَمُ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ وَتُقْسَمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَحْدَهَا، وَلَوْ إجْبَارًا، سَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَعْلًا أَوْ قَصِيلًا أَمْ حَبًّا مُشْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا بِخِلَافِهِمَا أَوْ مَعَ الزَّرْعِ قَصِيلًا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ لَا الزَّرْعُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَهَا، وَهُوَ بَذْرٌ بَعْدُ أَوْ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَلَا يُقْسَمُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا إفْرَازًا كَمَا لَوْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى قِسْمَةُ مَجْهُولٍ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ قِسْمَةُ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ، وَعَلَى الثَّانِي بَيْعُ طَعَامٍ وَأَرْضٌ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي قِسْمَةٍ هِيَ بَيْعٌ لَا إفْرَازٌ وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ فِي مَمْلُوكٍ عَنْ وَقْفٍ إنْ قُلْنَا‏:‏ هِيَ إفْرَازٌ، لَا إنْ قُلْنَا‏:‏ هِيَ بَيْعٌ مُطْلَقًا أَوْ إفْرَازٌ وَفِيهَا رَدٌّ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا تَصِحُّ‏.‏ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْوَقْفِ‏.‏ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ جُزْءًا مِنْ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدٌّ أَوْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ مِنْ أَرْبَابِ الْوَقْفِ صَحَّتْ، وَلَغَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قِسْمَةُ وَقْفٍ فَقَطْ بِأَنْ قُسِمَ بَيْنَ أَرْبَابِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ هَذَا إذَا صَدَرَ الْوَقْفُ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مَعَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ رَاجِحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَأَفْتَيْت بِهِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَكَلَامُهُ مُتَدَافِعٌ فِيمَا إذَا صَدَرَ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلَيْنِ أَوْ عَكْسِهِ، وَالْأَقْرَبُ فِي الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْجَوَازُ، وَفِي الثَّانِي عَدَمُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ فِي الْأَصَحِّ، كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي‏)‏ قِسْمَةِ ‏(‏الرَّدِّ الرِّضَا‏)‏ فِي ابْتِدَاءِ الْقُرْعَةِ جَزْمًا، وَ ‏(‏بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ‏)‏ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْصُلُ بِالْقُرْعَةِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّرَاضِي بَعْدَ خُرُوجِهَا كَقَبْلِهِ وَقِيلَ‏:‏ يَلْزَمُ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْأَكْثَرُ بَدَلُ مَا يُقَابِلُ الزَّائِدَ كَالْقِسْمَةِ الْمُجْبَرِ عَلَيْهَا‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ اُعْتُبِرَ التَّرَاضِي فِي ابْتِدَائِهَا بِخِلَافِ الْإِجْبَارِ ‏(‏وَلَوْ تَرَاضَيَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَانِ فَأَكْثَرُ ‏(‏بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ‏)‏ خُرُوجِ ‏(‏الْقُرْعَةِ‏)‏ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَصِيغَةُ الرِّضَا ‏(‏كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ‏)‏ أَوْ بِهَذَا ‏(‏أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ‏)‏؛ لِأَنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَوَجَبَ أَنْ يُنَاطَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَتَبِعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَلَلٌ مِنْ أَوْجُهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ هُوَ قِسْمَةُ الرَّدِّ فَقَطْ، وَقَدْ ذَكَرَهَا قَبْلَهَا بِلَا فَاصِلَةٍ، وَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِ الرِّضَا فَلَزِمَ التَّكْرَارُ مَعَ جَزْمِهِ أَوَّلًا، وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ ثَانِيًا‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ أَنَّهُ عَبَّرَ بِ الْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ، وَفِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ بِالصَّحِيحِ فَاقْتَضَى ضَعْفَ مُقَابِلِهِ، ثَالِثُهَا أَنَّهُ عَكَسَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْخِلَافَ إلَّا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ، فَقَالَ‏:‏ وَالْقِسْمَةُ الَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ بِالتَّرَاضِي هَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ فِيهَا‏؟‏ وَجْهَانِ‏:‏ رَجَّحَ مِنْهُمَا التَّكْرَارَ ا هـ وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ‏:‏ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنْ يَكْتُبَ مَا فِيهِ إجْبَارٌ فَكَتَبَ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ مَا الْإِجْبَارُ فِيهِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْإِجْبَارِ‏.‏ ثُمَّ سَقَطَتْ الْأَلِفُ فَقُرِئَتْ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ، وَبِهَذَا يَزُولُ التَّكْرَارَ أَوْ التَّنَاقُضُ وَالتَّعَاكُسُ ا هـ‏.‏

وَقَالَ الشَّارِحُ اُعْتُرِضَ قَوْلُهُ‏:‏ لَا إجْبَارَ فِيهِ بِأَنَّ صَوَابَهُ عَكْسُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْقِسْمَةُ الَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ بِالتَّرَاضِي إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا انْتَفَى فِيهِ الْإِجْبَارُ مِمَّا هُوَ مَحَلُّهُ الَّذِي هُوَ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ وَالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَصَرْحُ فِي الْمُرَادِ مِمَّا فِي الْمُحَرَّرِ ا هـ‏.‏

فَقَوْلُ‏:‏ الشَّارِحِ وَهُوَ‏:‏ أَيْ الْمُرَادُ لَا عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، وَكَوْنُهُ أَصْرَحُ؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ فِيهِ بِالرِّضَا وَعَدَمِ الْإِجْبَارِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ لَازِمًا لَهَا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَصَرْحُ مِنْ اللَّازِمِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ غَلَطٍ أَوْ حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ نُقِضَتْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَاهُ وَاحِدٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ‏)‏ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَبِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ الشَّاهِدِ وَيَمِينٍ ‏(‏غَلَطٍ‏)‏ وَلَوْ غَيْرُ فَاحِشٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ ثَبَتَ ‏(‏حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ‏)‏ ‏(‏نُقِضَتْ‏)‏ تِلْكَ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ظُلْمِ الْقَاضِي أَوْ كَذِبِ الشُّهُودِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ بِالْحُجَّةِ لَكَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ‏)‏ وَلَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ ‏(‏وَادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْغَلَطَ أَوْ الْحَيْفَ ‏(‏وَاحِدٌ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيَّنَ قَدْرَ مَا ادَّعَاهُ ‏(‏فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى خَصْمِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَنَفَعَهُ فَأَنْكَرَ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاسِمِ بِذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ كَمَا لَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْقَاسِمُ وَصَدَّقُوهُ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ لَمْ تُنْقَضْ، وَرَدَّ الْأُجْرَةَ كَالْقَاضِي يَعْتَرِفُ بِالْغَلَطِ أَوْ الْحَيْفِ فِي الْحُكْمِ إنْ صَدَّقَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ رَدَّ الْمَالَ الْمَحْكُومَ بِهِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَغَرِمَ الْقَاضِي لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بَدَلَ مَا حَكَمَ بِهِ، وَقَوْلُ الْقَاسِمِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ حَالَ وِلَايَتِهِ قَسَمْت كَقَوْلِ الْقَاضِي وَهُوَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت فَيُقْبَلُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ، بَلْ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أُجْرَةً إذَا ذَكَرَ فِعْلَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ادَّعَاهُ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ، فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى‏.‏ قُلْت‏:‏ وَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ نُقِضَتْ إنْ ثَبَتَ، وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏ادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْغَلَطَ أَوْ الْحَيْفَ ‏(‏فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ‏)‏ بِأَنْ نَصَبَا قَاسِمًا أَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَرَضِيَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَقُلْنَا‏:‏ هِيَ‏)‏ أَيْ قِسْمَةُ التَّرَاضِي ‏(‏بَيْعٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ‏)‏ وَعَلَى هَذَا ‏(‏فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى‏)‏ وَإِنْ تَحَقَّقَ الْغَبْنُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ، وَالثَّانِي لَهَا أَثَرٌ فَتَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّهَا قِسْمَةُ عَدْلٍ فَبَانَ خِلَافُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ رِبَوِيًّا وَتَحَقَّقَ الْغَلَطُ أَوْ الْحَيْفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ بَاطِلَةٌ لَا مَحَالَةَ لِلرِّبَا، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏قُلْت‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَإِنْ قُلْنَا‏)‏ إنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي ‏(‏إفْرَازٌ نُقِضَتْ‏)‏ تِلْكَ الْقِسْمَةُ بِادِّعَاءِ الْغَلَطِ فِيهَا ‏(‏إنْ ثَبَتَ‏)‏ الْغَلَطُ بِبَيِّنَةٍ ‏(‏وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَهَذَا الْحُكْمُ يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُحَرَّرِ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إيضَاحًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا بَطَلَتْ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، أَوْ مِنْ النَّصِيبَيْنِ مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ بَقِيَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا‏)‏ كَالرُّبْعِ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ تِلْكَ الْقِسْمَةُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ ‏(‏وَفِي الْبَاقِي‏)‏ بَعْدَهُ ‏(‏خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ‏)‏ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الصِّحَّةُ وَثَبَتَ الْخِيَارُ، وَالثَّانِي‏:‏ الْبُطْلَانُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا ‏(‏مِنْ النَّصِيبَيْنِ‏)‏ قَدْرٌ ‏(‏مُعَيَّنٌ‏)‏ حَالَةَ كَوْنِهِ ‏(‏سَوَاءٌ بَقِيَتْ‏)‏ تِلْكَ الْقِسْمَةُ فِي الْبَاقِي ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ مِنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ تِلْكَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ قَدْرَ حَقِّهِ، بَلْ يَحْتَاجُ أَحَدُهُمَا إلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْآخَرِ وَتَعُودُ الْإِشَاعَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَرَادَ بِبُطْلَانِهَا ظَاهِرًا وَإِلَّا فَبِالِاسْتِحْقَاقِ بَانَ أَنْ لَا قِسْمَةَ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ عَيْنٌ لِمُسْلِمٍ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرْ أَمْرُهَا إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، بَلْ يُعَوَّضُ مَنْ وَقَعَتْ فِي نَصِيبِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَذَا إنْ كَثُرَ الْجُنْدُ، فَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا كَعَشَرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُنْقَضَ، إذْ لَا عُسْرَ فِي إعَادَتِهَا‏.‏ خَاتِمَةٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُهِمَّةٍ‏:‏ تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا تُقْسَمُ الْأَعْيَانُ مُهَايَأَةً مُيَاوَمَةً وَمُشَاهَرَةً وَمُسَانَهَةً وَعَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَزْرَعَ هَذَا مَكَانًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا مَكَانًا آخَرَ مِنْهُ، لَكِنْ لَا إجْبَارَ فِي الْمُنْقَسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي طُلِبَتْ قِسْمَةُ مَنَافِعِهَا فَلَا تُقْسَمُ إلَّا بِالتَّوَافُقِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تُعَجِّلُ حَقَّ أَحَدِهِمَا وَتُؤَخِّرُ حَقَّ الْآخَرِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهَذَا فِي الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ‏.‏ أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ، إذْ لَا حَقَّ لِلشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْمُهَايَأَةِ وَتَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْ الْمُهَايَأَةِ، فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْهَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَ الْمُسْتَوْفِي لِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا اسْتَوْفَى كَمَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفِي أَحَدُهُمَا مَنْفَعَتَهَا، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمُهَايَأَةِ وَأَصَرَّا عَلَى ذَلِكَ أَجَّرَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَلَا يَبِيعُهَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَامِلَانِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمَا فِيهَا‏.‏ وَلَا تَجُوزَ الْمُهَايَأَةُ فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ لِيَكُونَ لِهَذَا عَامًا، وَلِهَذَا عَامًا، وَلَا فِي لَبَنِ الشَّاةِ مَثَلًا لِيَحْلُبَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبَوِيٌّ مَجْهُولٌ، وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنْ يُبِيحَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مُدَّةً، وَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ لِضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ مَعَ تَسَامُحِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ جَمَاعَةً إلَى قِسْمَةِ شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقِيمُوا عِنْدَهُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِمْ، سَوَاءٌ اتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ أَوْ تَنَازَعُوا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ فَقَدْ يَدَّعُونَ الْمِلْكَ مُحْتَجِّينَ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي، وَيُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏ وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الذِّمَمِ؛ لِأَنَّهَا‏:‏ إمَّا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، أَوْ إفْرَازُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إفْرَازُ مَا فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ لِأَحَدِهِمَا وَمَا فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو لِلْآخَرِ لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِمَا قَبَضَهُ‏.‏ وَلَوْ تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ ثُمَّ تَنَازَعَا فِي بَيْتٍ أَوْ قِطْعَةِ أَرْضٍ وَقَالَ‏:‏ كُلٌّ هَذَا مِنْ نَصِيبِي وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ‏:‏ يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ وَلِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَفْسَخَ‏.‏ وَلَوْ تَقَاسَمَا دَارًا وَبَابُهَا فِي قَسْمِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْتَطْرِقُ إلَى نَصِيبِهِ مِنْ بَابٍ يَفْتَحُهُ إلَى شَارِعٍ فَمَنَعَهُ السُّلْطَانُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْقِسْمَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَلَا يُقَاسِمُ الْوَلِيُّ مَحْجُورَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قُلْنَا‏:‏ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَوَلِيِّهِ حِنْطَةٌ‏.‏